كتبت في 30 نوفمبر 2014 هذه المقالة تحت تأثير التفاؤل الذي فرضه إستبعاد إستمرار الولاية الثالثة و ما تركه من أثر واضح في رفع مستوى الأمل بأن الخلف سيبيد آثار السلف.
ولكن يبدو إن تفاؤلي لم يكن في مكانه و إن ما جرى خلال السنة والنصف الماضية كان نكسة على البلد بكل المعايير الحقيقية في كل مجالات الحياة الأقتصادية و الأجتماعية والسياسية . إذ لا يزال تأثير رئيس الوزراء السابق في التحكم بمفاصل أساسية في الدولة يبدو واضحا بل حتى وصل الحد إلى رفض جزء أساسي من الخطوة الأولى التي بدأها العبادي بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية فبقي المالكي رافضا التنفيذ رغم موافقة البرلمان على مقترح العبادي و بقيت مع هذا الرفض كل الأمتيازات و الهدر في الأموال والقوى العاملة المصاحبة لهذا المنصب بينما ألتزم بالتفيذ النائبين الآخرين.
و تحولت الثورة الوردية إلى إعادة نفس الوجوه العسكرية الكالحة التي أفقدت العراق الجزء الكبير من أرضه و سيادته و سمعته و تلكأت إصلاحاته الأولية التي أعلن عنها لتنام بين الدواليب المغلقة بل و تم التفريط بأول خطوة إيجابية بحل المشاكل مع الكرد بخصوص النفط و حصة الأقليم في الميزانية و تحولت كل الوعود التي تم إطلاقها إلى خطابات متكررة لا تحسم موقفا و لا تأتي بقرار واضح ، بل و على الرغم من تأييد الشارع و البرلمان و رجال الدين له بشكل كان يمكنه من أتخاذ القرارات المناسبة للصلاح إلا إنه أنحدر مع حزبه والقيادات التي لا يوافق عليها الشعب بإتجاه عرقلة الأصلاح و التلاعب بالجمهور و دعم الفاسدين الذي طالبت الجماهير بمحاسبتهم.
لم يكن كسب ثقة الشعب عملية سهلة بل تبين أن العبادي كان مستعدا – إن عرف ذلك أم لم يعرفه – لفقدان هذه الثقة بسرعة و بالفعل فقد وصل قبوله شعبيا و سياسيا إلى أدنى حد و توقفت قدرته على المبادرة بأي إصلاح سواء على مستوى محاربة الفساد و التخلص من الفضائيين و دعم الوضع الأقتصادي المتدهور للشعب ولم تكن محاولاته للأستقراض من الجهات الأجنبية ناجحة لسد الحاجة المتزايدة للأموال نتيجة الحرب القائمة ضد الأرهاب و السياسات الأقتصادية والأدارية الفاشلة و زيادة الهدر في أبواب الميزانية و الأرتباك الاصل في السياسات المالية والنقدية و المصرفية.
أنا أعترف و أقول ، لقد كانت توقعاتي خاطئة و آمالي فاشلة و تمنياتي ليست في مكانها .. وسيبقى التاريخ يذكر أن رئيس مجلي وزراء إسمه حيدر العبادي قد فشل في حكم العراق و فشل في إصلاح اي من شؤونه .
المقالة السابقة في 30 نوفمبر 2014
------------------------------------
يقود الدكتور المهندس حيدر العبادي رئيس الوزراء الجديد في العراق ثورة وردية هادئة لتغيير الأوضاع المتردية التي يمر فيها العراق بعد سنوات عجاف سببتها السياسات الهوجاء والتعنت الفكري المنغلق وإتجاهات الأستفراد بالسلطة التي تسبب بها رئيس الوزراء السابق والتي كان أبرزها خواء الخزينة وعدم تصديق الميزانية ووصول الفقر إلى أقسى حالاته وضرب الأرقام القياسية ببطالة الشباب وإنهيار القوات المسلحة في الدولة مما أوصل إلى فقدان أكثر من ثلث مساحة العراق لتقع في أيدي متوحشي داعش الأرهابيين .
لم يكن سهلا على العبادي تقبل إستلام أوضاع متدهورة في كل الجوانب الأجتماعية والأقتصادية والأمنية والعلاقات مع الجيران وإنعدام التخطيط المستقبلي ومصاعب لا تعد ولا تحصى ولم يكن متوقعا قبوله بهذا التحدي الكبير لإعادة البلد إلى الطريق الصحيح وإيقاف التدهور في أحواله والبدء برحلة المستقبل. غير إنه قبل هذا التحدي وقد يكون قبله معتمدا على وعود حزبية وفردية بالوقوف معه في هذا النزال لكنه تصدى لهذه الأوضاع بشجاعة وعقيدة مؤمنة بالعراق.
نرى إن بداية عمل العبادي كانت تعتمد على القيام بثورة وردية ناعمة ومسالمة يبدأ فيها بتحسس طريقه من خلال كل الظروف غير المواتية بحذر وهدوء فلم يعلنها ثورة دموية على الفساد والفاسدين بل بدأ بحلحلة قواعدهم وإلغاء دور بعضهم وتقليم أظافرهم واحدا واحدا وجزءا جزءا وتفكيك حلقات الفساد تدريجيا دون أن يعطي الفرصة للأصطدام مع أحد رغم كل ما يحاوله بعض (الأصدقاء) القدامى من عرقلة جهوده وإظهاره بموضع المتردد والفاشل أحيانا .
وأستعان العبادي ببعض طاقمه من الوزراء ليخطو الخطوة الثانية في سياسته بحل الخلاف مع حكومة الأقليم والتي جرت تحت شعار كلنا سنستتفيد من حل المشاكل و قام زميله عادل عبدالمهدي بدوره وحسب خطوط الثوة الوردية لتجاوز هذه المشكلة بينما كان العبادي منشغلا بتنظيف الدار من الفضائيين ومن تسبب بوجودهم فأحال العشرات من القيادات العليا التي أثبتت فشلها سابقا في قيادة الجيش والشرطة على التقاعد أو الإبعاد عن مراكز السلطة والتأثير .
وتحت تأثير هذه الثورة الوردية قام القضاء والسلطة القضائية بتصحيح بعض مسيرته في دعم الحاكم السابق فأصدر أحكامه بإسقاط العديد من التهم الكيدية التي حاول بها الحكم السابق إبعاد من مانع في مشاركته سياقاته الخارجة على القانون .
إن الأيام القادمة ستكون أياما فاصلة في إستمرار الثورة الوردية وسننتظر من العبادي الأستمرار بهذه الثورة الناعمة للتغيير وسنؤيده وندعمه ونقف معه ولن يكون من السهل عليه التراجع بعدها ليختط لنفسه سبيلا آخر على حساب فقدان ثقة الناس به.
رؤساء الوزراء كثيرون ولا يذكر التاريخ أحدا منهم .. لكن القادة الحقيقيون قلة ومن الصعب الوصول إلى درجتهم إلا بالأخلاص الحقيقي للوطن والشعب.
لندعو بالتوفيق لحيدر العبادي وحكومته في الأستمرار بالتغيير وفق الدستور والقوانين النافذة وتطلعات الشعب كي نقف ندا وكتفا إلى كتف مع العالم المتقدم في كل مجالات الحياة والعدالة وإحترام حقوق الأنسان