نستذكر في هذا اليوم ذكرى تخليص العراق من ديكتاتورية حزب البعث والطاغية على يد قوات التحالف الأمريكي والأوروبي بعد حكم دام حوالي أربعة عقود عانى فيها شعبنا العراقي مختلف صنوف العنت والتعذيب والقتل الجماعي والمآسي والحروب التي أكلت الملايين من أبنائه وأبناء جيرانه من الإيرانيين والكويتيين وغيرهم نتيجة السياسات الفاشية التي اتبعها ذلك الحزب الفاشي البائد وقياداته المجرمة.
وكنتيجة فعلية لتدخل قوات التحالف وإسقاط ذلك النظام وما كان يمثله من تخلف ومخالفة لمفاهيم العالم في القرن الحادي والعشرين فقد دخل العراق مرحلة تحقيق الأسس الأولى للديمقراطية والحرية وحصل العراقيون على دستور اختاروه وصوتوا عليه بأنفسهم كما حصلوا على برلمان اختاروا نوابهم فيه بحرية قل مثيلها مثلما قاموا باختيار ممثليهم في الإدارات المحلية والمجالس التنفيذية للمحافظات. كما حصل العراقيون على حريتهم السياسية بحيث ظهر إلى الوجود مئات الصحف وعشرات المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي تطرح وجهات نظرهم بمختلف الاتجاهات والأفكار وكذلك المنظمات غير الحكومية في مختلف مجالات الحياة وفتح السفر وحرية الحركة للجميع بلا تقييد أو منع سفر. كما أحس الشعب العراقي لأول مرة مزايا التقدم التكنولوجي الذي حرمه منه حزب البعث البائد فدخلت خطوط الهاتف النقال واستخدامات شبكة الانترنيت ووسائل الاتصال ونقل المعلومات مما ساهم في تقليص الهوة بين العراق والعالم وبدأ التفكير بالتخطيط لإنجاز الألوف من مشاريع البنية التحتية كالمدارس والمستشفيات و المستوصفات ومحطات تصفية المياه وشبكات النقل والمطارات والشوارع وخطوط نقل الطاقة وتوليد الكهرباء وغيرها.
إن التربية البعثية وتخريج أجيال من مدارس البعث الفاشي والتخريب المستمر، خلال حكمه، للأخلاقيات العامة وإفساد معايير التصرف الإنساني ونشر الأساليب المتخلفة في قبول الرأي الآخر وثقافة القتل وعدم التسامح وعدم الاهتمام بسيادة القانون بالإضافة إلى دس المئات من أتباعه وعملائه في مختلف الأحزاب والحركات التي كانت تعاديه قد أثر سلبيا على تقدم المجتمع العراقي في إتجاه الاستفادة من فرص البناء والتقدم والحرية والديمقراطية. وانتشرت العصابات التي قام رجال البعث بتشكيلها تحت تسميات مختلفة طائفية وسياسية وإقليمية وبدأت الحرب ضد بعضها البعض وضد الدولة و المجتمع وابتدأ قتل العراقيين و تخريب الأسس المادية للمجتمع وبنيته التحتية باسم مقاومة الإحتلال وقامت المجاميع المسلحة بمختلف تسمياتها بإرهاب المجتمع وقتل المدنيين و رجال الشرطة والجيش والقوات المسلحة العراقية بالإضافة إلى قوات التحالف . وتعاون مجرمو البعث متحالفين مع قوات القاعدة والمعادين لتقدم العراق من داخل العراق وخارجه وظهرت مقاومة "شريفة وغير شريفة" وبدأ العراق بمواجهة فترة صعبة من تاريخه يذبح فيها أبناؤه وتفجر شوارعه وأسواقه وتستباح حرمة مدنه وقراه وبيوته ويخطف أولاده وعماله وموظفوه من مدارسهم وأعمالهم ودوائرهم وتتشابك وتختلط أوراق الرموز التي تدعي تمثيل أطيافه السياسية والدينية والمذهبية والقومية والعنصرية والثقافية والأجتماعية بشكل قل مثيله في المجتمعات المدنية المعاصرة الأخرى. وأخذ انتماء العراقي للعراق بالاختفاء تحت انتماءات جزئية وفرعية أخرى دينية أو طائفية أو عشائرية أو مذهبية أو مناطقية. وأنتشر الفساد الإداري والمالي واستغلال النفوذ وتعيين الرجل غير المناسب في مواقع الإدارة العامة وتزوير الشهادات واستلام المناصب والرتب العسكرية من قبل أفراد غير مؤهلين لها وغطت الفوضى جميع جوانب الاقتصاد والإنتاج والعمل ونزل إلى الشارع ألوف العاطلين وعم التضخم وتخبطت إجراءات وزارات الدولة بين نظام اقتصاد الدولة و نظام اقتصاد السوق لعدم وضوح سياساتها.
و مع خروج قوات الأحتلال العلنية وبقاء نفوذه في تمشية حكومات البلد المتتالية و تدخل بلدان الجوار بكل قواها المادية والمعنوية لتستغل أوضاع العراق لصالحها و أخذت هذه الدول تدير العراق وكأنه حديقتها الخلفية مستغلة الطائفية والتقسيم المكوناتي و الطائفي والعشائري و حتى المناطقي في سبيل تحقيق ذلك.
و زاد الطين بلة دخول عصابات الأرهاب من سوريا لأحتلال أجزاء كبيرة من العراق تخلت عنها القوات المسلحة بمختلف صنوفها دون دفاع أو مقاومة فسقطت الموصل و تم إحتلالها و تلتها محافظة صلاح الدين و مركزها تكريت و إنسحبت القوات المسلحة من كركوك ومحافظة التأميم قبل حصول أي تهديد لها فأحتلت عصابات الأرهاب مناطق شاسعة وصلت إلى ديالى و غيرها ثم تخلت قواتنا المسلحة عن الأنبار اثناء المعركة مما وضع على عاتقها ثقلا أكبر لأعادة تحرير هذه المحافظة الشاسعة الأبعاد و لا تزال قواتنا المسلحة تحارب الأرهاب محررة أجزاء غالية علينا بإتجاه تحرير كل التراب العراقي بينما يعاني ملايين المهجرين والنازحين من أوضاع تفتقر الى أبسط شروط الحياة و فر الألوف خارج البلد هاربين من هذه الأوضاع تأمينا لحياتهم و مستقبل ابنائهم.
ويستمر التدهور في الأوضاع الأقتصادية والمعاشية و الأجتماعية و السياسية و الأمنية و الانفلات التام في استشراء الفساد و عدم محاسبة المتلاعبين بالمال العام و مخالفة الدستور و عدم الألتزام يمواده روحا ونصا و يأخذ هذا الأتجاه و هذا التدهور شكلا يبدو دائميا و مطلوبا من جميع الأحزاب والكتل المشاركة في الحكومة و إدارة الدواة بكل مستوياتها التشريعية والقضائية والتنفيذية نتيجة ممارسات جرت عليها الحكومات المتعاقبة لتصنع تقليدا يعتمد على الأجتهاد ضد الدستور و تبرير مخالفته و ضربه عرض الحائط.
وخرج كثير من أفراد الشعب في مناطق العراق كلها بمظاهرات احتجاج ومطالبة بالأصلاح في مختلف جوانب الحياة ولم تجد هذه المطالبات طريقها للتحقيق لحد الآن بسببمختلف اساليب الأجهاض و الدوران و التسويف والتلاعب بالأجراءات أمام شعب أوغل الجهل فيه بإطفاء كل إحساس بالحقيقة و عاش حملات الإغراق في الجهل حتى لم يعد يعرف مصلحته من عدمها.
و يستمر نضال العراقيين من أجل الأصلاح والمستقبل المشرق و تحقيق المعنى الحقيقي للتداول السلمي للسلطة و تتنامى أعداد المؤمنين بسيادة القانون و بالعملية السياسية وبالرأي والرأي الآخر وبالقبول بنتائج صناديق الاقتراع وهذا كله يؤمن مستقبلا مضمونا لبلدنا بعد إجراء الأصلاحات اللازمة في السلطات الثلاث و في الحوكمة الصالحة التي نسعى لها لتزرع كل الخير في أرضنا لنتقدم نحو المستقبل يدا بيد مع شعوب العالم الحر لبناء السعادة والازدهار والتقدم .